
الكلمة الرئيسية لمستشار الدولة وزير الخارجية “تشين قانغ” في الجلسة الإفتتاحية لمنتدى النتينغ بعنوان “التحديث الصيني النمط والعالم”
القاعات الكبرى في شانغهاي، يوم 21 إبريل عام 2023 )
صباح الخير!
إنه لمن دواعي سروري أن أجتمع معكم في “القاعات الكبرى”
على ضفة نهر هوانغبو في مدينة شانغهاي التي يقام فيها منتدى النتينغ ألول مرة.
أود أن أعرب عن خالص الشكر على ما قدمه معالي األمين تشن جينينغ وحكومة
شانغهاي من المساعدة الكبيرة إلنجاح هذا المنتدى.
يكون خيارا جيدا أن ينعقد هذا المنتدى الذي يحمل العنوان “التحديث الصيني
النمط والعالم” في مدينة شانغهاي. حسب ما يقول الناس دائما، إن شانغهاي تعكس
تاريخ الصين طيلة مائة سنة مضت، إذ أنها مدينة تم فيها تأسيس الحزب الشيوعي
الصيني قبل أكثر من مائة سنة. على مدى أكثر من قرن، ظلت شانغهاي شاهدة
للتقلبات والتعرجات التي طرأت على األمة الصينية، والتغيرات الهائلة والعظيمة التي
حدثت على األراضي الصينية. إن شانغهاي، التي تحولت من “متروبوليس متميزة
بالتجارة الخارجية” في الماضي إلى طليعة لإلصالح واالنفتاح اليوم، ومن مدينة
تحتاج إلى التنمية وإعادة اإلعمار في كافة المجاالت قبل التحرير الوطني إلى مدينة
مزدهرة اليوم، أصبحت أكبر مركز اقتصادي وأكبر مركز للتنمية المبتكرة في الصين
ومحورا لالقتصاد والتجارة والشحن البحري في العالم، وتسير حاليا في مقدمة العصر
والتنمية، وأصبحت أيقونة بارزة للتحديث الصيني النمط.
أيها األصدقاء،
ال شجرة بدون جذور وال مجرى من المياه بدون منبع. كان نجاح التحديث
الصيني النمط لم يحدث من العدم، إنما هو إنجاز حققه أبناء الشعب الصيني خطوة
خطوة تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي ظل يتمسك بغايته األصلية ورسالته.
عليه، لدى التحديث الصيني النمط منطق معمق تاريخيا وعمليا ونظريا.
يعد التحديث الصيني النمط خيارا حتميا لعملية التنمية في الصين التي دامت
مائة سنة. انطلقت مسيرة التحديث في الصين من النقص والتخلف، وهي تفسر معاني
اإلنجاز المجيد المحفوف بالمشقات، وهي تحمل األحالم المش ّرفة. منذ العصر
الحديث، لجأ عدد ال يحصى من أصحاب المثل السامية إلى الدول الغربية في محاولتهم
الستكشاف طرق التحديث بغية إنقاذ الوطن، لكنهم فشلوا، ولم يتمكنوا من إنقاذ األمة
الصينية من المحنة. ما وجدت الصين عمودها الفقري وقائدها في قضيتها للتحديث
إال بعد والدة الحزب الشيوعي الصيني. تحت القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني،
مضينا قدما في المسيرة العظيمة لتحقيق التحديث بإرادتنا المستقلة، وتحولت الصين
من بلد فقير ومتخلف إلى ثاني أكبر اقتصاد وأكبر دولة في تجارة السلع وأكبر صاحب
احتياطيات النقد األجنبي وأكبر دولة للتصنيع في العالم، وهي أنشأت أكبر المنظومات
في العالم في مجاالت التعليم اإللزامي والضمان االجتماعي والرعاية الصحية،
وأكملت في غضون العقود الماضية القليلة العملية الصناعية التي استغرقت مئات
السنين في الدول الغربية المتقدمة، وهي لحقت بركب العصر بخطوات واسعة.
إن التحديث الصيني النمط هو ما يقتضيه الدفع بالنهضة العظيمة لألمة الصينية
على نحو شامل. منذ المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، ضغطت
الصين “زر التسريع” في بناء التحديث الصيني النمط تحت القيادة القوية للجنة
المركزية للحزب الشيوعي الصيني ونواتها الرفيق شي جينبينغ، وأضافت منجزات
جديدة إلى المعجزتين العظيمتين وهما التنمية االقتصادية السريعة واالستقرار
االجتماعي الطويل األجل، وأنجزت المهام التاريخية المتمثلة في القضاء على الفقر
وبناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وحققت هدف الكفاح بحلول الذكرى المئوية
لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، كما حققت القفزة العظيمة لألمة الصينية من
الوقوف على قدميها ثم تحقيق الثراء وصوال إلى تعزيز قوتها، مما أدخلت النهضة
العظيمة لألمة الصينية إلى مسيرة تاريخية ال رجعة لها. في الدورتين السنويتين اللتين
عقدتا في الشهر الماضي، تمت إعادة انتخاب األمين العام شي جينبينغ رئيسا للدولة
باإلجماع، يعد ذلك خيارا اتخذه التاريخ والشعب. يدير الرئيس شي جينبينغ دفة
التحديث الصيني النمط بإحساسه بالمسؤولية المتمثلة في “نكران الذات لعدم تخييب
أمل الشعب”، ويقودنا للسير على طريق مستقيم أكثر إشراقا.
جاء التحديث الصيني النمط نتيجة حتمية للقواعد العلمية لتنمية البشرية . يعد
التحديث قضية مشتركة للبشرية جمعاء. على رغم أن الدول الغربية استفادت من
ثمار التحديث قبل الغير، ال يعني ذلك نهاية التاريخ. قبل أكثر من 140 سنة، طرح
كارل ماركس التصور حول تجاوز “وادي كاودين” ، مما أرسى أساسا نظريا مهما
لشق طريق يختلف عن التحديث الغربي النمط. على مدى أكثر من مئة سنة مضت،
نجحت الصين في إيجاد طريق للتحديث الصيني النمط مستفيدة من تجاربها المستقلة،
وخلقت نمطا جديدا من الحضارة البشرية. قد أثبتت الحقائق بشكل بليغ أنه ليس هناك
نمط محدد للتحديث، وليس هناك جواب صحيح وحيد له فقط، تتمكن كافة الدول من
تحقيق أحالمها للتحديث، طالما يتفق نمط التحديث مع ظروفها الوطنية ويخدم تنمية
الشعوب. وبالعكس، إذا قام بلد باستنساخ النمط األجنبي بشكل أعمى، كشخص يلبس
حذاء غير مناسب لقدميه قسرا، فسيؤدي ذلك إلى نتائج معاكسة أو عواقب كارثية.
,
أيها األصدقاء،
يقول المثل الصيني “إن المثل العليا هي خلق عالم يتقاسمه الجميع “. إن الصين
بكونها أكبر دولة نامية في العالم، ظلت تضع العالم ككل في اعتبارها. إن هدفنا من
تحقيق التحديث ليس التطوير الذاتي دون مراعاة اآلخرين، ناهيك عن السعي إلى
“الصين أوال”، بل هو ضخ مزيد من الطاقة اإليجابية للسالم العالمي، وإتاحة مزيد
من الفرص الجديدة لتنمية العالم، في الوقت الذي نحقق فيه التنمية الذاتية. عليه،
تحدوني الثقة بما يلي:
حديثا يغطي حجما سكانيا هائال، سيضخ حتما ديناميكية أقوى للتعافي
االقتصادي العالمي. تمكنت الحكومة الصينية منذ انتهاج سياسة اإلصالح واالنفتاح
قبل أكثر من 40 سنة من انتشال أكثر من 800 مليون نسمة من براثن الفقر، ورفع
أكثر من 400 مليون نسمة إلى فئة الدخل المتوسط. قد أصبحت الصين اليوم شريكا
تجاريا رئيسيا ألكثر من 140 دولة ومنطقة، وتتدفق االستثمارات الصينية المباشرة
بقيمة 320 مليون دوالر أمريكي إلى العالم يوميا، وتقوم أكثر من 3000 شركة أجنبية
بالتسجيل في الصين شهريا. على مدى العقد الماضي، تتقدم الصين على مجموعة
الدول السبع مجتمعة من حيث نسبة المساهمة في النمو العالمي.
مع دخول 4.1 مليار ونيف من سكان الصين بالكامل إلى المجتمع الحديث،
سيتجاوز هذا الحجم السكاني إجمالي عدد سكان الدول المتقدمة حاليا، وستقدم الصين
قوة دافعة أكبر لالقتصاد العالمي حتما. في الشهر الماضي، كان منتدى تنمية الصين
ومنتدى بوآو اآلسيوي اللذين انعقدا بنجاح قد استقطبا رجال السياسة واألعمال من
دول العالم. كان أكثر ما سمعناه في المنتديين هو اغتنام فرص جديدة تتيحها الصين
من خالل تحقيق التنمية العالية الجودة واالنفتاح الرفيع المستوى على الخارج، وكانت
الرؤية األكثر اتفاقا عليها هي رفض فك االرتباط مع الصين، والرغبة في السير مع
الصين.
إن تحديثا يتمتع فيه جميع أبناء الشعب برخاء مشترك، سيشق حتما مسارا أوسع
للتنمية المشتركة لكافة الدول. إن التحديث ال يعني كون األغنياء أكثر ثراء والفقراء
أكثر فقرا، أو خدمة قلة قليلة من الدول والناس. وإن تحقيق الرخاء المشترك لشعوب
العالم كلها يتطلب التنمية المشتركة لكافة الدول. تعد مبادرة “الحزام والطريق”
ومبادرة التنمية العالمية منفعة عامة وفرتها الصين للمجتمع الدولي، ومنصة مفتوحة
تسهم في تحقيق التنمية المشتركة والرخاء المشترك. منذ طرح مبادرة “الحزام
والطريق” قبل 10 سنوات، تم التحديد لتشييد أكثر من 3000 مشروع تعاون، مما
حفز االستثمارات بقيمة قرابة تريليون دوالر أمريكي، ووفر 420 ألف فرصة عمل
للدول المطلة على “الحزام والطريق” ، وساعد شعوب الدول العديدة في تحقيق أحالمها
لبناء السكك الحديدية والجسور والتخلص من الفقر.
حظيت مبادرة التنمية العالمية ترحيبا عاما في المجتمع الدولي، ونالت لغاية
اآلن دعما من أكثر من 100 دولة والعديد من المنظمات الدولية، وانضمت قرابة 70
دولة إلى “مجموعة األصدقاء لمبادرة التنمية العالمية”، مما قدم إسهامات مهمة
لإلسراع في تحقيق أهداف األمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة. تولي الصين
اهتماما بالغا لمعالجة قضايا المديونية التي تواجهها الدول النامية، وتنفذ مبادرة
مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الديون على نحو نشط وشامل، وقد ساهمت
بـ63 %من حصتها لتعليق مدفوعات خدمة الديون. يمكن القول إن التحديث الصيني
النمط يبعث على ثقة دول العالم بتحقيق التحديث . وهنا أقتبس قول أحد القادة األفارقة،
إن الطريق الصيني يشجع جميع الدول النامية، ويدل على أنه بإمكان أي دولة أن
تحقق التنمية حتى ولو كانت بدايتها الصفر.
إن تحديثا يوفق بين الحضارة المادية والحضارة المعنوية سيفتح حتما آفاقا
أفضل لتقدم المجتمع البشري. نجد أن بعض الدول حققت تقدما اقتصاديا وتكنولوجيا
بدرجة عالية، غير أنها تقع في الوقت نفسه في مآزق مثل التركيز المفرط على رؤوس
األموال وتفشي المادية االقتصادية والفراغ المعنوي والخلل األخالقي والنظامي. أكد
الرئيس شي جينبينغ أن الهدف النهائي للتحديث هو تحقيق التنمية الحرة والشاملة
لإلنسان. فإن التنمية الشاملة لإلنسان ال تعني فقط الوفرة المادية، بل أبعد من ذلك،
تعني الثراء المعنوي.
“يعرف اإلنسان اآلداب واألخالق، عندما يتوفر له الغذاء والكساء”. تتطلع
الحضارة الصينية دوما إلى عالم متسم بالوئام األعظم المتميز بوفرة الحياة المادية
دون القلق ورقي األخالق إلى مستوى أعلى، وتضع القيم المعنوية لإلنسان قبل
المساعي المادية، وتعتبرها جزءا من المثل العليا االجتماعية. قد بدأت مختلف
الحضارات في العصر المحوري قبل 2500 عام، أي في فترة كونفوشيوس
ومنسيوس بالصين وأفالطون باليونان، استشكافها للعالم المعنوي السامي دون اتفاق
مسبق. ال يعني التحديث انحطاطا وانقراضا للحضارات القديمة أبدا، بل يبشر بالنهضة
للثقافات التقليدية. في هذا السياق، طرح الرئيس شي جينبينغ بشكل مهيب مبادرة
الحضارة العالمية، التي تدعو إلى االهتمام بالتوارث واإلبداع الحضاريين، واحترام
التنوع الحضاري للعالم، والتمسك بالمساواة واالستفادة المتبادلة والحوار والتسامح
بين الحضارات. على عاتق الدول مهمة اإلبداع مهما كان عمرها. أسهم التحديث
الصيني النمط في إظهار حيوية جديدة للحضارة الصينية العميقة الجذور والغنية
المعارف، وأسهم بمزيد من الحكمة الصينية في السالم واالزدهار للعالم والتطور
والتقدم للبشرية. إننا نتطلع إلى مشهد رائع للعالم، تتوارث فيه جميع الحضارات جيال
بعد جيل، وتعمل على اإلبداع انطالقا من أصولها، وتنتشر فيه الحضارة المادية
للبشرية كالعمارات العالية في أرجاء األرض، وتتألق الحضارة المعنوية للبشرية
كنجوم في السماء.
إن تحديثا يتعايش فيه اإلنسان والطبيعة بانسجام ووئام سيوفر حتما حال أكثر
قابلية للتنفيذ لبناء عالم نظيف وجميل. أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى أن
األنهار النقية والجبال الخضراء هي بمثابة جبال من الذهب والفضة. تتحمل الصين
بوعي مسؤولية حماية البيئة اإليكولوجية ومواجهة تغير المناخ على عاتقها، وتتصدر
العالم في المجاالت التالية: مساحة الغابات االصطناعية التي تشكل ربع إجمالي
مساحتها في العالم؛ حجم تطوير واستغالل الطاقة المتجددة، حيث تشكل القدرات
المركبة للطاقة الريحية والشمسية في الصين ثلث إجمالي القدرات المركبة في العالم؛
حجم إنتاج ومبيعات السيارات العاملة بالطاقة الجديدة، حيث تسير في الصين نصف
السيارات العاملة بالطاقة الجديدة في العالم. قد قطعت الصين تعهدا جديا بشأن بلوغ
ذروة الكربون وحياد الكربون أمام العالم، وسيستغرق االنتقال من ذروة الكربون إلى
حياد الكربون فيها 30 سنة فقط، وهذا أقل مما تحتاج إليه الواليات المتحدة والدول
األوروبية من الفترة الزمنية بما يتراوح بين بضع عشرة سنة و 40 سنة ونيف. كما
بادرت الصين في المساهمة ماليا في إنشاء صندوق كونمينغ للتنوع البيولوجي،
وقدمت مساهمة في التوصل إلى “اتفاق باريس “. وفي مطلع الشهر الجاري، اتفق
الرئيس شي جينبينغ والرئيس إيمانويل ماكرون على التعاون في إنشاء المركز
الصيني الفرنسي لحياد الكربون، األمر الذي أضفى قوة دافعة جديدة على التحول
المنخفض الكربون في العالم.
إن تحديثا يسلك طريق التنمية السلمية سيأتي حتما بمزيد من العوامل المؤكدة
للسالم واالستقرار في العالم. ال تهدف الصين من تنميتها إلى الهيمنة وال توجد عبارة
“حتمية الهيمنة لدولة قوية” في قاموس الثقافة الصينية، غير أن الدبلوماسية الصينية
تتميز بعدم الخوف من الهيمنة. تكون الصين الدولة الوحيدة لغاية اآلن التي أدرجت
“التمسك بطريق التنمية السلمية” في دستورها، وهي أكبر مساهم بقوات حفظ السالم
من بين الدول الدائمة العضوية في مجلس األمن الدولي، وهي الدولة الوحيدة التي
تتعهد بأال تكون البادئة باستخدام األسلحة النووية من بين الدول النووية الخمس. قد
انضممنا إلى أكثر من 20 معاهدة متعددة األطراف بشأن الحد من التسلح، ودفعنا
الدول النووية الخمس للتوصل إلى بيان مشترك بشأن منع الحروب النووية. كما ندعو
إلى إيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية عبر التشاور والحوار.
أوضحت مبادرة األمن العالمي التي طرحها الرئيس شي جينبينغ االتجاه
الصائب لتحقيق األمن المشترك واألمن العالمي . الصداقة خير من العداوة. كانت
الجهود الصينية المبذولة قد ساهمت في استئناف العالقات الدبلوماسية بين السعودية
وإيران. ونرى بارتياح أن مزيدا من الدول تقوم بالمصافحة والمصالحة فيما بينها.
في وجه األزمة األوكرانية، لم تقم الصين بصب الزيت على النار أو تعكير األوضاع
للربح منها، بل تلتزم باإلنصاف وتبذل جهودا حميدة لدفع المفاوضات من أجل تخفيف
حدة التوتر لألزمة وتهدئة األوضاع. أثبتت الحقائق أن تو ّجه الصين نحو التحديث
يمثل تنامي قوى السالم والعدالة.
أيها األصدقاء،
إن المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد في أكتوبر
الماضي رسم خطوطا عريضة لتنمية الصين في المستقبل، وطرح بوضوح هدف
دفع النهضة العظيمة لألمة الصينية على نحو شامل من خالل التحديث الصيني النمط.
من أجل تحقيق هذه المهمة المحورية، تتحمل الدبلوماسية الصينية مسؤوليتها المطلوبة.
سنسلك بعزيمة ال تتزعزع طريق التنمية السلمية، وسندفع بعزيمة ال تتزعزع ببناء
نوع جديد من العالقات الدولية على أساس االحترام المتبادل واإلنصاف والعدالة
والتعاون والكسب المشترك، وسنعمل مع كافة الدول على بناء عالم منفتح ومحتضن
ونظيف وجميل يسوده السالم الدائم واألمن العالمي واالزدهار المشترك، وإقامة
مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
سندافع بحزم أكبر عن الحقوق التنموية لجميع الدول. إن التحديث يعد حقا غير
قابل للتصرف لكل بلد، وليس امتيازا تحتكره حفنة من البلدان. ال يجوز للدول التي
قد وصلت بر التحديث، هدم جسور العبور للدول األخرى أو وضع الحواجز في
طريقها نحو التحديث، ناهيك عن احتواء الدول األخرى أو قمعها أو قطع طريقها
بسبب اتباعها طرق مختلفة نحو التحديث. ال تخوض الصين ما يسمى بالتنافس بين
القوى العظمى، وما نحافظ عليه بحزم هو المصالح التنموية ألنفسنا وحق الشعب
الصيني في السعي وراء حياة جميلة. تحترم الصين طرق التحديث التي تختارها
شعوب العالم بإرادتها المستقلة، وترفض صنع المواجهة األيديولوجية أو إثارة
“الحرب الباردة الجديدة” ، وترفض التدخل في الشؤون الداخلية أو فرض اإلمالءات.
تحافظ الصين على االتجاه الصائب للعولمة، وترفض ” بناء األسوار” أو ” وضع
الحواجز” أو “فك االرتباط” أو “قطع السالسل”، وترفض العقوبات األحادية الجانب
أو الضغوط القصو ى. وتبذل الصين قصارى الجهد للحفاظ على االستقرار واالنسياب
لسالسل الصناعة واإلمداد، بما يطور عملية العولمة االقتصادية والتحديث في مختلف
الدول مع التكامل لبعضهما البعض.
سنعمل بنشاط أكثر على دفع االنفتاح العالي المستوى. حققت الصين إنجازات
التحديث في عملية االنفتاح، فهي ستمضي قدما إلى المستقبل اعتمادا على االنفتاح
بكل التأكيد. سنسعى إلى زيادة تمازج المصالح مع دول العالم من خالل عقد منتدى
“الحزام والطريق” للتعاون الدولي ومعرض الصين الدولي لالستيراد. كما سنستثمر
بموارد أكثر في دعم التعاون اإلنمائي العالمي، وسنساعد بقدر إمكاننا الدول النامية
على تخفيف أعباء الديون، ونعمل على تخليص التداول الدولي للعمالت والمالية من
كابوس المضاربة والتالعب والعقوبات والضغوط، وإعادته إلى طبيعته األصلية
لخدمة االقتصاد الحقيقي وتعزيز التحديث.
أود أن أنتهز هذه الفرصة ألجدد التهنئة للسيدة ديلما روسيف على توليها منصب
رئيسة بنك التنمية الجديد لدول البريكس، واثقا بأن هذا البنك سيقدم دعما أكبر لعملية
التحديث في الدول النامية.
سندفع بوعي أكثر بالتواصل الحضاري. ندعو بنشاط دول العالم إلى تكريس
القيم المشتركة للبشرية جمعاء المتمثلة في السالم والتنمية واإلنصاف والعدالة
والديمقراطية والحرية، والتمسك بتجاوز الفوارق والصراعات والتفوقات الحضارية
عبر التواصل والتنافع والتسامح بين الحضارات. ونعارض قطعا ممارسة التمييز
العنصري والقطري والحضاري في العالقات الدولية. ونحرص على التشاور مع
دول العالم حول إقامة شبكة التعاون العالمي للحوار بين الحضارات، ونحرص على
خلق مشهد جديد تجري فيه دول العالم التواصل اإلنساني وتتمازج الحضارات
وتتقارب الشعوب، بما يزيد من االزدهار والتنوع لحديقة الحضارات في العالم.
سنتعاون بوعي أكثر لبناء مجتمع المستقبل المشترك للكائنات الحية على
األرض. نقوم باإلسراع في بناء المنظومة االقتصادية الخضراء والمنخفضة الكربون
والدائرية واستكمالها، وتعزيز التحول الشامل واألخضر للتنمية االقتصادية
واالجتماعية. ونتمسك بمبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة للمشاركة النشطة في
التعاون الدولي لمواجهة تغير المناخ والحوكمة البحرية وحماية التنوع البيولوجي
العالمي، والدفع ببناء منظومة الحوكمة العالمية للبيئة القائمة على العدالة واإلنصاف
والتعاون والكسب المشترك، بما يساهم في مواجهة التحديات العالمية في مجاالت
المناخ والبيئة وبناء عالم نظيف وجميل.
سندافع بحزم أقوى عن النظام الدولي. في الفترة األخيرة، دائما ما نسمع بعض
األقوال الغريبة التي تدعي بأن الصين تتحدى “النظام الدولي القائم على القواعد”
و ” تحاول تغيير الوضع القائم لمضيق تايوان بشكل أحادي عن طريقة القوة أو اإلكراه”
و ” تمس بالسلم واالستقرار في مضيق تايوان”. تخالف هذه األقوال أبسط المعارف
األساسية الدولية وعدالة التاريخ، وهي تحمل منطقا سخيفا وستؤدي إلى عواقب
خطيرة. إن الصين بكونها من الدول التي تكبدت أكثر الخسائر البشرية في الحرب
العالمية الثانية من ضمن الحلف المناهض للفاشية، وأول دولة مؤسسة وقعت على
ميثاق األمم المتحدة، تنظر إلى الدفاع عن هيبة األمم المتحدة والحفاظ على النظام
الدولي بعد الحرب العالمية الثانية كمسؤوليتنا المقدسة. لدى الصين أفضل سجل فيما
يتعلق بااللتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق األمم المتحدة والقانون الدولي والقواعد
األساسية للعالقات الدولية، فال داعي لتذكيرنا من قبل بعض الدول أو الكتل في هذا
الشأن. وهناك دائما الرأي العام العادل بشأن من الذي يتعامل مع األمم المتحدة بشكل
انتقائي، ومن الذي يخرب النظام الدولي، ومن الذي يمارس الهيمنة والتنمر
والطغيان.
أيها األصدقاء،
ظلت تايوان منذ القدم جزءا ال يتجزأ من األراضي الصينية، وينتمي جانبا
مضيق تايوان إلى الصين الواحدة، وذلك يمثل الماضي لتايوان والوضع القائم لها.
تكون عودة تايوان إلى الصين جزءا من النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية،
وورد ذلك بكل وضوح في “إعالن القاهرة” و “إعالن بوتسدام”. اليوم، إن الذي يخرب
القواعد الدولية ويغير الوضع القائم ويمس باستقرار مضيق تايوان بشكل أحادي
الجانب ليس البر الرئيسي الصيني، بل هو القوى االنفصالية لـ”استقالل تايوان”
وفرادى الدول التي تحاول استغالل “استقالل تايوان”. إن ما وصفه هؤالء بالقواعد
والوضع القائم واالستقرار يهدف في الحقيقة إلى تجويف الصين الواحدة و “تقسيم
الصين سلميا”، وتحريف تاريخ الحرب العالمية الثانية وقلب النظام بعدها والدوس
على سيادة الصين. لن يقبل الشعب الصيني البالغ عدده مليار و 400 مليون نسمة ذلك
أبدا. ما دام استعادت الصين أراضيها، لن تفقدها من جديد. ما دام النظام الدولي بعد
الحرب العالمية الثانية أقيم، لن يسمح بقلبه.
إن الحفاظ على سيادة الدول وسالمة أراضيها حق طبيعي ومشروع. نحذر تلك
القوى التي تقوم بانتهاك العدالة الدولية تحت ستار النظام الدولي: إن مسالة تايوان
أساس للمصالح الجوهرية الصينية، ولن نتردد في الرد على من يتالعب بمبدأ الصين
الواحدة، ولن نتراجع أمام من يناور حول سيادة الصين وأمنها. من يلعب النار بشأن
مسألة تايوان، سيحرق نفسه حتما.
أيها األصدقاء،
لقد قطعنا أشواطا بعيدة في مسيرتنا العظيمة، ونحن مقبلون على آفاق واعدة
على الطريق أمامنا. إن التحديث الصيني النمط ابتكرته الصين، ويمكن للعالم أن
يستفيد من الفرصة التي أتى بها. نحرص على العمل سويا مع كافة األطراف بروح
الفريق الواحد على المضي قدما بقضية التحديث التي تتسم بالخصائص المختلفة،
وخلق مستقبل أجمل للعالم. ختاما، أتمنى لهذا المنتدى نجاحا تاما! شكرا